العنف ضد المرأة
التحرّش.. ظاهرة تموج في أعماق الصمت الأبدي
- حوار مشترك أنا(رائد الستري) أحد المشاركين
- نشر بجريدة الأيام بتاريخ 30 يناير 2006.
تحقيق – زينب جبيل:
آهات تموج في أعماق الصمت الأبدي.. لتخرج حمماً ثائرة.. وللصمت أحياناً ضجيج يطحن عظام الصمت؟!
فمن منا لا يعتصره الألم حين يسمع بجرائم التحرّش؟ وللأسف الشديد، فهناك الكثير ممّن يعانون منه ولكنّهم يقعون في قوقعة الصمت الأبدي ويدخلون في دائرة المسكوت عنه.
ويوماً بعد يوم تتزايد حوادث وقصص التحرّش على اختلاف أشكالها وصورها، ونجد الفتاة تكتم أمرها ولا تجرؤ على الحديث، وذلك خوفاً على سمعتها أو خوفاً من أهلها، وفضلت أن تسدل الستار على نفسها واختارت عالم الصمت، كتمت سرّها ولكنّها لم تعرف أنّ هذا ليس من صالحها بل ضدها وسيؤدي بها إلى عواقب وخيمة.
ولكن هل الحل الوحيد هو الصمت والتكتم على الأمر؟ هل هذا ضدها أم معها؟ هل الصمت هو الأسلوب الأسهل أم الأصعب؟ هل أنت مع التكتم والتستر على الأمر أم ضدّه؟ الأسرة حاولت إلقاء الضوء على هذه الظاهرة وكان هذا التحقيق…
لا تختلف الآراء كثيراً بين الفتيات والشباب حول أسباب تكتم المرأة على هذه الظاهرة.
الكل معرض للتحرّش ولكن نجد أنّ من يتعرض له يتكتم على الأمر ولا يبوح لأهله، هذا ما تقوله زهراء منصور »طالبة إعدادي« مرجعة ذلك إلى الخوف من نظرة الناس والخوف على الحياة المستقبلية، أو الخوف من ردّة فعل المجتمع الذي تعيش فيه الضحية، وتقول: »إلا أن الكتمان ليس من صالحه ذلك الشخص؛ لأنه بذلك سيعّرض نفسه لضغوطات نفسّية يفقد معها ثقته بنفسّه وربمّا يفقد معها ثقة أهله به، ويصبح شخصية ضعيفة ويشعر بقّلة النشاط والحيوية وهذا يؤثر على حياته العملية؛ لانه لن يقدّم شيئاً للمجتمع وبتكتّمه على الأمر أيضاً فهو سيساعد على انتشار هذه الظاهرة في المجتمع«.
بينما ترى رباب الخزاز »طالبة ثانوي« أن التحرّش جريمة أخلاقية تتعرض لها المرأة، وكتمانها للأمر يؤدّي بها إلى الإصابة بالأمراض النفسية وتكون الحالة متمثلة في الخوف والقلق والتوتر والابتعاد عن المجتمع.
وتقول: »هذا الأمر سيؤثر سلباً على حياتها وخصوصاً الحياة المستقبلية، فضلا عن أن كتمانها للأمر ليس من صالحها؛ لأنّها بذلك تساعد على خراب ودمار المجتمع الذي تعيش فيه، ويكون كتمانها خوفاً من الفضيحة وخوفاً على سمعتها وسمعة أهلها«.
ومن جهتها تعتبر رباب حسن رضي »طالبة جامعية« التحرّش قضية مهمة جدا، والكثير من أفراد المجتمع معرّضون لذلك إمّا بسبب الجهل أو قلة الثقافة وتقول: »ما يحزننا في الأمر هو تكتم المجني عليهم للأمر وهذا يرجع إلى عدة أمور أهمها الخوف على سمعة المجني عليه والخوف على سمعة أهله والخوف من تغيير نظرة المجتمع له من نظرة إيجابية إلى نظرة سلبية؛ ولأنه سيكون بمحلّ القيل والقال«.
وتضيف: »شخصيا لا أشجّع المجني عليهم بالتستر على الأمرلأنهم سيصاب بحالة نفسّية صعبة ويشعرون بالخوف والتقليل من شأن أنفسهم وكل هذا ليس في صالحهم، إذ سيعانون اكثر، مما سيؤثر بالتالي على حياتهم مستقبلا وذلك بعدم مخالطتهم للمجتمع«.
ويتفق معها علي الخباز »طالب ثانوي« بأن تكتم المجني عليهم للأمر يرجع إلى الخوف على سمعتهم لأنها (السمعة) هي جوهر الأمر وبالتأكيد ستؤثر سلباً على حياتهم.
ويقول: »ربما ينتج عن ذلك أمور خطيرة كزيادة هتك الأعراض وفساد المجتمع وكذلك ستؤثر على حالتهم النفسية وفقدان الثقة بالنفس والإحساس بنوع من الخجل«.
الهروب أسهل والنسيان أقرب
إلى ذلك يرى محمد اليوسف »طالب جامعي« بما أننا مجتمع محافظ فالجهر بهذا الأمر أو إبرازه عبر المحاكم_ سواءً جانٍ أو مجني عليه_ غير مقبول ويترتّب عليهِ أمور غير مُرضية للشخص نفسه، فيكون الهروب للأسهل وهو السكوت.
ويضيف: »كذلك عدم وجود دافع مقنع وسريع للجهر، فالقانون غالباً ما يُرتب على هذهِ القضايا استحقاقات للصالح العام لا تعود بشكل مباشر على المجني عليه، كما تحتاج القضية أيضا لوقت وهذا يصعب نفسياً على المجني عليه فالنسيان في هذه الحالة أقرب«.
ويستطرد: »ولا يمكنني القول إنّ الأمر في صالحه أم لا، ولكنّه بالتاكيد ليس في مصب الصالح العام، وعادة والمعروف والشائع أنّ المجني عليه بعد حصول هذا الموقف يتعرّض لأحد الأمرين: إذا لم يؤخذ حقّه تترتب انعكاسات نفسية سلبية ربما تستمر معهُ فترة طويلة وربما تظل معه طيلة حياته وتؤثر على سلوكياته، كأن يُصبح انطوائياً وخجولاً وضعيف الشخصية،وإذا تمّ أخذ حقه ستصبح هنالك انعكاسات ولكنها ستكون أقل حدّة وربما تنتهي بسرعة مع مزاولته الحياة اليومية«.
خوفاً من الفضيحة
بعض قضايا التحرّش يتمّ التستّر عليها دون سابق إنذار، هذا ما تعتقده دينا أحمد الزياني »مدّرسة« وتقول: »هناك اسباب تقود المجني عليه للتستّر على الأمر وأهمها الخوف من الفضيحة، والناس قد يتقولون ويحرفون القضية الأساسية وتنفضح البنت، وحتى الولد نفسه تصبح سمعته في الحضيض و لا يقبل به أحد للزواج؛ لأنه من أصحاب السوابق«.
وتضيف: »ولكن عموما فإن تكتمهم ليس في صالحهم بل سيتعرضون لضغوطات نفسية كعدم الثقة في أنفسهم والناس، وستزداد الرذيلة والتوتر الأسري والصراعات فيما بينهم«.
الخوف من المستقبل
أسباب عديدة المتحرّش تساعد على إنتشار هذه الظاهرة، كتكتم وتستر المتحرش بهم على الأمر، هذا ما تراه أم حسين »ربة منزل« لأنّ في الكثير من الأحيان يُحمّل المجتمع المسئولية المجني عليهم، إلا أن السبب الرئيسي للتكتم يكمن في الخوف من الأهل والخوف على سمعتهم وسمعة أهلهم والخوف على حياتهم في المستقبل، وكذلك الخوف من نبذ المجتمع لهم وتعرضهم للقهر الاجتماعي، كنظرة الناس لهم، وتكتمهم ليس من صالحهم؛ لانهم سيصابون بتعب نفسي ومن ثم تعب جسدي وسيشعرون بالاحباط والشعور بالذنب.
وتتفق معها أم محمد »موظفة بجامعة البحرين« بأنّ البعض ممن يتعرضون للتحرّش يكتمون الأمر في بعض الحالات خوفاً من الأهل وخوفاً على حياتهم المستقبلية. والتكتم ليس من صالحهم؛ لأنهم سيخلقون مجتمعاً بعادات سيئة، ويساعدون في انتشار هذه الظاهرة، إذ ينتج عن صمتهم التفكّك الاجتماعي وضعف الأمان وعدم الاستقرار النفسي في العلاقات الإجتماعية والأسرية وقلة النشاط والإنتاج العملي.
ومن جانبه يرى أبو أحمد »موظف« أنّ صمت المرأة يرجع إلى الخوف من الفضيحة وخوف البنت على نفسها من كلام الناس والخوف على حياتها الزوجية مستقبلاً وكذلك الخوف من ردة فعل أهلها كعدم تصديقها، حتى وإن حدث هذا الأمر عن غير رضا منها، وبتكتمها على الأمر ستزداد الأمور سوءاً كأن تصاب بحالة نفسية تؤدي بها إلى الانطواء بنفسها والعزلة عن الجتمع.
وللقانون وجهة نظر
ويشير بديع جبيل- طالب بكلية الحقوق وموظف – إنّ التحرش وبوصفه ظاهرة تخدش الحياء، لذا أولى القانون اهتماماً بهذه الظاهرة وأسبغ عليها وصف جريمة، وقد تناول قانون العقوبات البحريني هذه الجريمة في المادة ١٥٣/١-٢ على النحو التالي تقسيمه:
التعرّض لأنثى على وجه يخدش الحياء من حيث:
التعرض بالقول سواء بطريق الهاتف أو بدونه، كأن يقول شخص لفتاة »أنا أحبك«، أو زأريد الخروج معكس.
التعرّض بالفعل، وهو صدور سلوك من شخص موجهاً لفتاة، كأن يقوم بإلقاء رقم هاتفه طالباً منها أخذه، أو يقوم بإخراج عضوه الذكري لها.
التعرّض لأنثى على وجه يخدش الحياء من حيث:
إتيان الفعل في مكان مطروق، ويقصد به المكان الذي يتردد عليه عامة الناس مثل المجمعات التجارية وصالات الأفراح والمقاهي.
إتيان الفعل في الطريق العام، كأن يلاحق شخص فتاةً بالسيارة طالباً منها الركوب معه، أو عمل حركة غير لائقة بإصبعه، ويفترض في جميع الأحوال عدم رضا الفتاة »المجني عليها«.
و يعاقب كل من تعرّض لأنثى على وجه يخدش حياءها على النحو السالف بيانه بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بالغرامة التي لا تتجاوز العشرين ديناراً.
كيف ينظر الشرع لهذه الظاهرة؟؟
في معرض تعليقه على الموضوع يقول الشيخ رائد الستري انه عندما نتدارس مسألة التحرش الجنسي بالمرأة من وحي القرآن الكريم نجد بعض الآيات الصريحة في تحريم بعض الأفعال الجنسية، والتي يُستوحى من روحها حرمة كل ما يعد محركا ومثيرا جنسيا خارج الدائرة الشرعية، لاسيما بعدما نضم إليها الكثير من المرويات في نفس المجال،مستشهدا بقول المولى سبحانه وتعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ الله خبير بما يصنعون) النور٠٣.
وحسب الشيخ الستري فنلاحظ أن المولى عز وجل يجعل في هذه الآية حكما يلاحق حتى مستوى الإيذاء بالنظرة غير الصحيحة، معللا ذلك بأنه (أزكى لهم) أي أطهر. ويضيف: »لعل الطهر هنا يمكن إرجاعه لطهارة المجتمع كما هي راجعة على الفرد نفسه، وهنا يكمن عمق المسألة إذ من خلال توافر الأمن من التحرش الجنسي يمكن لنا أن نعيش في مستوى الطهارة الروحية والأخلاقية والسلوكية بل نحلّق في أعاليها«.
وحيث تزجر التشريعات الإسلامية كل الممارسات والإثارات الجنسية خارج الإطار الشرعي، فهي تحاول أن تصون المجتمع بأفراده من الوقوع في مزالق الرذيلة والعياذ بالله.
ويقول الشيخ الستري: »من هنا تتجلى لنا ضرورة التثقيف بهذه الأحكام والتشريعات في محاولة لإيجاد الوازع الإيماني في نفس الفرد المسلم، الذي يمثل أكبر حصانة للمجتمع ضد التحرش الجنسي، بالإضافة إلى أننا نحتاج إلى مساندة لأحكام الشريعة من قبل قوى مؤسسات المجتمع والدولة لملاحقة التجاوزات التي قد تقع هنا أو هناك«.
وبانتقاله من الحديث عن التشريعات والأحكام الشرعية التي تحاول أن تتصدى لمحاولة التحرش الجنسي. في طرف الموقِع لها (المجرم) يسلط الضوء على طريقة تعامل (الضحية) مع التحرشات الجنسية التي تتعرض لها، ويقول: »لعل هذا الجانب لا يقل أهمية عن الجانب السابق وذلك أن الضحية إذا فقدت الأسلوب والطريقة الصحيحة في معالجة التحرشات الواقعة عليها فكثيرا ما تكون نهايتها أن ترضخ لهذه الضغوط والترهيبات«.
ويستطرد: »من التعاملات غير الصحيحة أنّ الضحية عندما تتعرض لتحرش جنسي فإنها تمتلئ خوفا يشل عملية التفكير الصحيح لديها، لتبقى في تعامل سلبي تجاه هذه الممارسات التي تقع ضدها، ولعل السبب في ذلك الفزع الذي يصيب النفس عدم تصورها الوقوع في هذا الأمر، أو الخوف من ردت فعل الأسرة لضعف الثقة بين أفرادها«.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الحاجة إلى تثقيف بناتنا بأنواع التحرش الجنسي وكيفية التصدي له، يشدد أيضا على أن تكون الأسرة ملاذا آمنا في مثل هذه الظروف تستوعب المشكلة وتتحرك سريعا لحلها. ويقول: »لا يمكن أن تكون الأسرة كذلك بشكل فجائي، بل من خلال منظومة متكاملة يعمل الأب والأم على توفيرها من خلال التربية على القيم والأخلاق الإسلامية والحوار الصريح المتبادل بين الآباء والأبناء«.
ومن جهته يتناول الشيخ عادل الشعلة الموضوع ذاته من منظور ديني ونفسي بقوله أن مما لا شك فيه بأن ذلك ليس من صالح المرأة ، لما له من أثر سلبي على شخصيتها، ويقول: »يخطرني تأثيران: تعلمها لهذا السلوك الشائن ، وممارسته مع غيرها ، وهذا يعني بأننا ننتج جيلاً مريضا، فاقد الثقة بالآخرين ، لا سيما إذا كان المتحرش شخصاً مقرباً، و في تصوري هناك أسباب مباشرة، وأسباب لا مباشرة ، وأجد أن تسليط الحديث عن الأسباب اللامباشرة في غاية الأهمية، فهي التي تُهيئ أرضية المرأة وتصنع منها شخصية قادرة على مواجهة التحرشات من أي كان«.
ويوضح: »من هذه الأسباب: الاستعدادات الوراثية للانحراف الجنسي ، فالجينات الوراثية لبعض الأطفال تحمل سمات الأبوين النفسية ، فربما نجد منهم من يرغب في الفساد الأخلاقي نتيجة هذا البعد الوراثي، ولذا نرى اهتمام الإسلام بالقرين والقرينة، (تخيّروا لنطفكم فإن العرق دسّاس)، فالتحسين الجيني يتطلب تحسيناً في تكوين الأسرة، بأن يخضع الزواج لعملية انتقائية دقيقة ناظرة لصناعة جيل مبارك سوي«.
التلوث البيئي للسلوك الجنسي من ضمن الأسباب أيضا، فقد يعيش مثلا الأشخاص الذين يتكتمون في بيئة جنسية مريضة، فيتلمسون الإثارة الجنسية في المحيط الذي يعيشونه، كأن يتلمسوا ذلك من خلال الأشرطة الموجودة في البيت عند بعض الأخوة أو الأخوات، أو من خلال المجلات، أو من خلال عدم اعتناء الأبوين بالعملية الجنسية«.
_______________________________________________________________
الايام البحرينية – 30 يناير 2006