– تعظيم الشعائر الإلهية..

يرسم المولى -سبحانه- في كتابه المجيد إطارا مهما للمسلمين جميعا يحدد (طبيعة العلاقة وشعائره) فيقول سبحانه: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج 32، ويقول أيضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) المائدة 2.

والشعيرة تعني العلامة والدليل، وعلى ذلك يكون معنى الآية وجوب التعظيم لكل ما يكون دليلا وعلامة على الله عزّ وجلّ، ويحرم انتهاك هذه الشعائر لما فيه من تفويت الدلالة على الله –سبحانه-، وحجبا لما يمكن أن يستهدي به الحيارى والضائعين على الله.

ويمكن أن يُفهم هذا المعنى من السياق العام للآيات المباركات التي وردت في ضمنه الآية الشريفة، إذ كانت في سياق ذكر بعض أعمال الحج ليعقّّب الله بعد ذلك بهذه الآية المباركة: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، ذلك أن الحج تتجسد فيه معانٍ إلهية مهمة جدا أبرزها التوحيد والخلوص لله سبحانه.

– ثورة الطف شعيرة من الشعائر..

بعد ذلك هل يمكن أن يشكك الإنسان من أنّ ثورة الحسين (ع) بن بنت رسول الله (ص) تعد شعيرة من شعائر الله، وهي التي تجسّدت فيها الأحكام والتعاليم الإلهي، أبرزها معاني الخلوص والتوحيد والتضحية في سبيل الله سبحانه، وإحياء هذه الثورة بذكر تعاليمها ونقل وعيها لجيل بعد جيل يعدّ تجسيدا حقيقيا لقوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، ويبدو أنّ هناك عهدا وميثاقا إلهيّا لا يمكن نسيانه أو الوقوف ضدّه، حيث يقول النبي الأعظم (ص): (إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا).

– عاشوراء باقية إلى الأبد..

عاشوراء ستبقى تُتَناقل جيلا بعد جيل، وأيّ إرادة من قبل البعض على خلاف الإرادة الإلهية سيكون مآلها كما يقول –سبحانه-: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة 32.

فمن يقف في مقابل إحياء ذكرى شهادة ابن بنت رسول الله (ص) كأنّما يقف في مواجهة إرادة الله الماضية والغالبة بلا شك ولا ريب.

والأمانة التي يتحملها المؤمنون تجاه هذه الشعيرة الإلهية هي الإحياء الذي يليق بها، ويتناسب معها، ويجسّد معانيها ويلتقي وروحها، ثم نقل كلّ هذا التراث إلى الجيل الذي بعد، وهكذا بنفس الحرارة والتفاعل.

وهذا واقع الحال، فعاشوراء ما وصلت لنا إلا بعد تحمّل الآباء لها جيلا بعد جيل، وتكبّدوا في سبيل ذلك عناء كبيرا فجزاهم الله خير الجزاء.

– لماذا المضادة مع ثورة الحسين (ع)..

لا تأتي ذكرى استشهاد الحسين (ع) إلا وتتعالى بعض الأصوات هنا أو هناك، واقع حال هذه الأصوات ينم عن فساد في العقل وحقد في القلب، ولا يمكن صرفه عن هذه الحقيقة.

وفي واقعة كربلاء قد واجه الإمام الحسين (ع) هذا الصنف من الأشخاص فقال لهم (ع):( أيّها الناس انسبوني من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه ؟

فما كان جوابهم إلا أن قالوا:(هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول! … نقاتلك بغضا منا لأبيك..)

نعم عداء الحسين (ع) هذا منطلقهم .. الحقد والمرض المعشعش في قلوبهم يحركهم.

– عندما تتعالى المضادة فتكون قرارا..

بذلت الدولة الأموية كل جهدها لتتخلص من مسؤولية دم الحسين (ع)، وتفنّنت في أساليبها وتنوعت، ولكنّها لم تفلح، ويكفي الإنسان أن يطالع التاريخ ليقتنع أن التعامل مع ثورة كربلاء يجب أن لا يكون بنحو المضادة أو على طرف النقيض.

ذلك أنّه رغم القيود التي مارستها الدول متعاقبة لم تفلح في حرف المسار، أو تنفير الناس وثنيهم عن إحياء ثورة كربلاء.

فمن غير الحنكة أن تتبنى جهة.. ما عجزت عنه دول؟!

ومن هنا لا يمكننا أن نتفهّم كيف كان القرار من قبل مسؤولين في الدولة لجعل فئة مهمة ونشطة مشغولة عن إحياء ذكرى الحسين (ع)؟ وجعل مانع لهم من التفاعل مع ذكرى الحسين (ع) بتنظيم فترة الإمتحانات والإختبارات في عمق عشرة عاشوراء الحسين (ع) وأوجها!

أليس هذا يتصادم والقرار الرسمي بتسهيل الإجراءات لإحياء ذكرى عاشوراء وسط أجواء أخوية تتجسد فيها اللحمة الوطنية!

وما يزيد الإنسان انفعالا أنّ الفعاليات الرياضية تلقى تسهيلات عديدة لا تتوقف عند مستوى تأجيل الإختبارت يوما أو يومين بل تتعداها لتعطيل الدراسة يوما أو يومين؟ بينما لا تلقى شعائر الله نفس هذا المستوى من الإهتمام والرعاية من هذا الجانب!

ومن التناقض دوما ما نسمعه من اعذار متكررة بحجة الخطة .. والبرمجة.. وغير ذلك، ولكن نسمع احيانا أخرى عن المرونة ورغبة الآباء وتوفير الأجواء بما يخدم التحصيل العلمي والدراسي للطلبة؟

لذلك أعتقد أنّ هذه القضية يجب أن تحل وأن لا تتكرر مرة أخرى، وأن يكون ذلك خطأ لا أكثر ولا أقل وقع عن غفلة وسهو من قبل بعض ليسوا على اطلاع على واقع بلدنا وعاداتها وشعائرها الإسلامية.