عاشوراء الحسين (ع) ثورة يستضيء بها المحبون والموالون في كل عام ضوءا وقبسا ينير دربا من دروب حياتهم.

وهذه المرة نقف مع عريس كربلاء..

فإنّه وإن كان موضوع عرس القاسم (ع) لم يثبت عند الكثير من علمائنا، ومن أثبته أثبت إجراء العقد فقط لا أكثر، إلا أنّه بغض النظر عن هذا الإختلاف فإنّ يوم القاسم(ع) يعد يوما مهما يمكن لنا أن نسلط الضوء فيه على حَلَقة مهمة في المجتمع وهي (مسألة الزواج وما يمثله)، بالإضافة إلى مسألة الأسرة والسعادة الزوجية وغيرها من مسائل تلامس هذا الجانب.

فدعونا نسلط الضوء على موضوع الزواج وما يشكله من دور مهم في حل الكثير من قضايا الإنحراف الإجتماعي ثم ما هو الموقف المطلوب منا تجاه هذه المسألة.

  • الزّواج حصانة للفرد والمجتمع:

وردت مجموعة من الرّوايات عديدة تنهى عن العزوبيّة، وترك الزّواج كمثل قول الرّسول (صلّى الله عليه وآله): (شرار موتاكم العزّاب)، (رذّال موتاكم العزّاب)، (… تزوّج وإلا فأنت من المذنبين).

وهذا النّهي ليس منصبًّا ومركّزًا على العزوبيّة كعزوبيّة وفقط، وإنّما النّهي عنها ناظر إلى ما يترتّب عليها من آثار ومفاسد تُفسد صاحبها، فالإسلام لمّا حكم بكراهة العزوبية كان نظره منصبا إلى ما تشكله العزوبية من فقد لحاجة طبيعة وكبت لغريزة فطرية لها تداعيات خطيرة على بناء الفرد والمجتمع، بخلاف الزواج.

فالزّواج حصانة للفرد والمجتمع باعتبار أنّه يوفِّر الجوَّ الملائم للإشباع الجنسيّ والعاطفيّ، ويمكّن الفرد من تفريغ هذا الشّحن الفطريّ في مساره الصحيح ليبتعد عن المسار المنحرف.

  • الحصانة في أحكام الإسلام:

الإسلام لم يكتف في معالجة مشكلة الغريزة والشهوة الجنسية بالحث على الزواج وحسب وإنما جعل رزمة من القوانين والأحكام الأخرى التي تحد من جموح هذه الشهوة بصاحبها وهذه الأحكام تتمثل فيما يلي:

  1. الغضّ من النّظر الشهويّ: يقول المولى سبحانه وتعالى للرّجال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30، وللنّساء أيضًا: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ..) النور/31
  2. الستر الشرعي والحجاب: يقول المولى سبحانه: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ… ) النور/31.
  3. الاتزان في حركة الأجساد وفي الكلام: إذ أنّ المسألة لا تقف عند الستر الذي يتعلّق بالملبس، فالأجساد وإنْ سُترت يمكن لها أنْ تُخادِع، فتمارس الإغراء بوسائل أخرى لم يهمل الإسلام التّصدّي إليها، فيقول سبحانه: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ..) النور/31، (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32.
  4. التحلِّي بالعفّة والحياء: يقول المولى سبحانه: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ..) النور/32.
  5. الابتعاد عن المصافحة واللّمس للجنس الآخر.
  6. الابتعاد عن الخلوة المحرّمة.
  7. الحد من انفلات واقع الاختلاط: فإن الإختلاط بحد ذاته لا مشكلة فيه ما دامت الضوابط الشرعية محفوظة، غير أننا نجد في بعض أنواع الإختلاط تكون تلك الضوابط مختلة ومفقودة، فتواجد المرأة في مواكب العزاء ليس فيه مشكلة من النظرة الأولية، لكن أن يكون بعض أنحاء هذا التواجد بنحو تكون فيه صورة بعض النساء في طريقة ملبسهن أو زينتهن أو مشيتهن وكأنهن في زفاف وزواج وفرح بهيج، فإنّ هذا لا شك أنه يُوجِع قلب الحسين (ع) وصاحب العصر والزمان (عج).
  8. عدم التّشبّه بالنساء أو بالرّجال

وغيرها من الأمور والأحكام الأخرى ولسنا بصدد تفصيلها وإنما الغرض هنا أن نذكرها وحسب.

  • لا تكن عقبة في الطريق

مما سبق نفهم أن تعاليم إسلامنا الحنيف تصب أساسا في كبح جماح الغريزة الجنسية لدى الشباب وأفراد المجتمع، من خلال منظومة من الأحكام والتعاليم التي ذكرنا شيئا منها، وأهم هذه التعاليم الحث على الزواج، وهنا لنا وقفة مع المجتمع ككل:

إذا أردنا أن نسير على الخط الذي رسمه الله لنا على لسان نبيه المصطفى( ص) وأهل بيته (عليهم السلام) فإنّ من اللازم علينا أن لا نقف عقبة في طريق أي شاب وشابة يريدان أن يحصنا نفسيهما بالزواج والستر، فليس الزواج إلا اقتران هذين الفردين، فليس من المطلوب أن تكون هناك تعقيدات كبيرة في موضوع الزواج ترهق عاتق الخاطب حتى أنّه يبقى لسنوات عديدة يدّخر من ماله كي يوفّي بهذه التكاليف أو أنه يتدين من هنا أو هناك أو يضطر لطرق أبواب المحسنين لكي يلبي بكل هذه الإحتياجات.

فلماذا يتكلف الشاب الذي هو في بدايات حياته تكاليفا قد تصل إلى آلاف الدنانير تصرف من دون وجه عقلائي لصرفها. أليس من الأجدر صرف تلك المبالغ في تجهيز سكنى الزوجة وأثاث المنزل وما يحتاج إليه؟!

إنّ بعض الزيجات قد وصلت في طريقتها وكيفيتها إلى حد السفة والإسراف والتبذير فهي كمثل أولئك الذين يحكي عنهم القرآن فيقول: (فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) ذلك أنّ البركة من الله في تلك الزيجات الأقل كلفة.

وهذا الأمر لا يحتاج إلى تقليب أو زيادة تأمل فإنّ الشاب إذا صرف مالا كبيرا في موضوع الزواج فهذا يعني دخوله في تعقيدات مستقبلية كبيرة، من مثل عدم المقدرة على توفير السكن والديون وغيرها.

وإني أعتقد أن مفتاح إيقاف هذا السفه في موضوع الزيجات في زماننا يكمن في يد أب العروس حيث أن تدخله في إيقاف بعض المتطلبات التي تطلبها النساء من طرفه يقلّص إلى حد كبير تلك المصروفات المبعثرة التي لا مزية منها.

هكذا نتعلم من كربلاء، نقف على القضية ونعكسها على واقع حياتنا لننهل من عطاء الحسين (ع) وأنصاره (رض).