الأخلاق هي الملكات النفسانية والروحية التي تفرز واقعا جميلا، فالنفس هي مكمن الاخلاق ومخزنه، والنفس تعد هي المحرك للشخصية، باعتبار مرهونية الوجود بها وارتباط الجسد بها، ولكن من الواضح جدا أن النفس لها افرازات يفضحها الجسد، وهذا أمر طبيعي بعد وضوح العلاقة بين النفس والجسد، فما تتمتع به النفس ملكات وصفات، يمكن أن يحكيها الجسد، بل قد يحكيها بصورة لا شعورية من دون أن يدرك الإنسان طبيعة هذه الحكاية أو أن يتحكم بها، وهذا النوع من الحكاية يعبّر عنه بـ “لغة الجسد”.

والإسلام يعد من أوائل من اعتنى بهذه اللغة وحاول أن يهذبها ويضع لها إطارا محدد تسير على وفقه، فكما أن النفس تفعل في الجسد وتؤثر أثرها، فالجسد أيضا إذا فرض على النفس بعض الصور والوضعيات فإنّ النفس تتأثر به تبعا.

من هنا يمكن أن نقول أن الشرع كما اعتنى بالصفات التي تكون النفس مكمن لها كصفة الحب والأخوة الإيمانية وحرمة الحسد ونحوها، اعتنى بالصفات الجسدية ووضع لها إطارا يهذبها وينمّيها. وهذا ما سنصطلح عليه بأخلاق الجسد، فكيف يمكن للجسد أن يتحدث الاخلاق؟!

بلى يمكن للجسد أن يتحدث أخلاقا، بل يمكن أن يكون بليغا في منطقة، قويا في تأثيره وسحره، وذلك عندما يستعمل أدواته السحرية وملكاته القوية.

فدعنا نذكر لك تلك الأدوات الجسدية..

البشاشة ومفعولها العجيب..

إن الوجه أكثر ما يعطي تعبيرا عن حال الإنسان ونفسه، ألا ترى أنه يمكنه أن تعرف مرض الإنسان من عافيته، فكذلك يمكن أن تظهر بعض التعبيرات النفسانية ويكون وجهك حاكيا لها، فمن هنا جاءت لنا أحاديث عديدة تركز على ضرورة الاعتناء بالوجه، باعتبار أنه المعبر والناطق الرسمي عنك، سواء أكان ذلك باختيارك وشعور منك.. أم كان من دون شعورك، ونذكر لك جملة من هذه الأحاديث الواردة عن بيت العصمة (ع):

(الق أخاك بوجه منبسط)

(البشر منظر مونق وخلق مشرق)

(بشرك يدل على كرم نفسك)

(من أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا تراءوا)

فإياك أن تهمل قسمات وجهك فتتركها للنفس تفعل فيها ما تشاء، فتتأثر بها سلبا وإيجابا، لأن هذا من شأنه أن يضعف في مقدار مودتك ومحبتك عند الآخرين، ألا تعلم أنّ إطلالة الوجه وهو في حالة بشر (طلاقة الوجه) وسعادة، بحيث تمكن للنفس السعيدة الفرحة الجميلة التي في داخلك من أن تتصرف في قسماتك فرحا وسرورا وجمالا تختلف كثيرا عمّا لو كان الإطلالة في متناول النفس التعيسة الحزينة الحقودة؟!

فمن الطبيعي أن من يلقى مستبشرا بلقياه، يختلف عمن يلقى من لا يرغب في لقياه؟! فإنّ(البشاشة حبالة المودة) و(البشاشة فخ المودة) وسببه، فيكفي أن تعيش الأخلاق والجمال في وجهك لتفرض على الآخر أن يحبك..؟!

فلا يمكن أن يحمل الانسان لمن يلقاه بطلاقة الوجه وإشراقته إلا المودة في قلبه، وتجد أن العداوة ولو كانت جبلا تنهار شيئا فشيئا حتى تتلاشى، كل ذلك بفعل البشاشة، يقول النبي (ص) :(حسن البشر يذهب بالسخيمة) ويقول الامام علي(ع): (القهم بالبشر ، تمت أضغانهم).

وينبغي بنا أن نشير إلى أن الطلاقة والبشر لا يمكن أن يخادع فيهم الإنسان وذلك أن الطلاقة الطبيعية التي تخرج من أعماق النفس والقلب تختلف عن تلك المصطنعة التي لا تتجاوز انبساطا للجلد وقبضا له، وذلك أن الطبيعة تختلف عن التكلف، فكأنما هناك موجات كهربائية خاصة وجميلة تنبعث من الطبيعة بخلاف التكلف إذ تنبعث منه ذبذبات مزعجة في روحها وإن كان شكلها جميلا ومونقا.

عنصر مهم ومكمل..

إذا أراد الإنسان أن يضيف إلى طلاقة وجهه سحرا آخر؟! فكل ما عليه أن يضيف “ابتسامة” لوجهه البشوش ليكتمل جمال الصورة فـ(من تبسم في وجه أخيه كانت له حسنة)، فالبسمة قد تفتح أبوابا كانت محكمة بالمفاتيح والأقفال.

فقلوب الناس لا تريد أكثر من بشاشة وابتسامة..، وما أسهلهما وما أصعبهما في هذا الزمان، فهو من السهل الممتنع، فمن الصعب جدا إعطاء الغير ابتسامة وطلاقة في الوجه في حين أن النفس تكتنف المآسي والضيق، فمشاكل هذا الزمان سواء المعيشيةأو السياسية أو غيرها، أصبحت ثقيلة جذا يعجز الإنسان عن حملها، ولذلك تبرز مشكلة كيفية إخفاء كل هذا الأسى خلف وجه مشرق وببشره وبابتسامته يعبر؟!