(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)) البقرة.

تفرض الحياة الدنيوية نفسها على الإنسان، فتتطلب مجموعة من الإحتياجات والمتطلبات المعيشية، ويسعى الإنسان جاهدا في زحمة الحياة نحو توفير هذه المتطلبات والاحتياجات له ولم يعولهم، ليوفق في بعض الأحيان ويكون رزقه وفيرا، وفي أحيان أخر يجد ما يسد به رمق الحياة، وفي ثالثة لا يجد البعض منّا ما يسد به رمق حياته، ليعيش كما يُعبر تحت خط الفقر.

خط الفقر الذي يقاس بالنسبة للإنسان على أساس ما يحتاجه من حاجات ضرورية تتقوم بها حياته وحياة من يعولهم فإذا كان فوقه سعد ونجا من مشاكل هذه الدنيا، أما إذا كان تحته فإنّ الله هو المعين له على مرارة الفقر وصعوبته.

وفي هذا السياق دعونا نتناول موضوع الفقر والطبقية والأسس الإسلامية في معالجتها:

– الفقر من المنظور الإسلامي:

لو أردنا أن نعرف التوصيف الذي وصفه الاسلام به الفقر فإنّ هناك جملة من الروايات نذكر منها ما هو معروف على الإمام علي (ع) قوله: (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، وهذه المقولة تجسد الفهم الإسلامي تجاه الفقر، فإن الإسلام يرى أن الفقر معاناة حادة يعانيها الفقير يجب السعي نحو حلها لأن للفقر آثار سلبية عديدة، نذكر منها:

آثار الفقر وسلبياته:

أولا: ضياع لأفراد المجتمع:

إن فقر قسم من أفراد المجتمع بحيث لا تتوافر لهم أسباب العيش الكريم فإنّ هذا يعني إيجاد أسباب ودوافع نحو الضياع، فإذا كان المحل الطبيعي للشاب في سني مراهقته هي المدرسة والجامعة ، فإنّ فقر أسرته وعائلته سيدفعه نحو ساحات العمل.

ثانيا: ضياع الدين لدى البعض:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل)، إلى هذا يدفع الفقر بصاحبه، إلى البحث عن مصادر للدخل قد لا تكون مشروعة ولا متوافقة مع الدين.

ثالثا: فقد الأمن في جميع نواحيه:

إن تعاظم مشكلة الفقر يعني أنّ دواعي الجريمة تتصاعد ليفقد الأمن الإجتماعي والسياسي في المجتمع، فتجد انتشارا للسرقة وللمخدارت وعداءً متصاعدا وغير ذلك.

رابعا: انعدام السعادة:

إن الأسر الفقيرة تتضاءل لديهم أسباب السعادة حتى أنّهم يفتشون عنها فلا يعثرون عليها إلا في مساحات قليلة، نعم سعادتهم في قربهم من الله سبحانه وتعالى.

– أسس المعالجة الإسلامية للفقر:

إنّ حجم مشكلة الفقر كبيرة جدا، فأسبابها تتصل بجهات عديدة ولذلك الإسلام أعتني بكل هذه الجهات وجعل عليها واجبات يجب القيام بها:

واجبات الدولة:

تسير واجبات الدولة في اتجاهين أساسيين:

الأول: العدالة في توزيع الثروات:

إنّ الدولة هي الجهة القائمة فعلا على خزينة المال، وإيرادات البلد المختلفة والمتنوعة تعود لها، وعليه يتوجب عليها أن تمارس العدالة في صرف الأموال وتضع القوانين والأنظمة التي تكفل وصول المال العام إلى المواطنين على حد المساواة والعدالة.

وفي هذا الإطار لنا مع الإمام علي (ع) تجربة رائعة قامت على أساس العدالة في الحقوق، فالإمام (ع) لما استلم الحكم وجد تجاوزات بالغة تعتمد أنظمة وقوانين تجذّر وتعمّق من الطبقية في المجتمع، وعندها عمد لإبطال كل تلك الأنظمة، وتشريع أنظمة أخرى تعتمد العدل والمساواة أساسا.

حتى قال مقولة (ع) :(القوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق والضعيف عندي قوي حتى آخذ له الحق).

نعم نحتاج إلى دولة قوية تكافح السرقات وللمال العام، وتعتمد العدالة أساسا في توزيع الثروات.

الثاني: توفير أسباب العيش الكريم:

إنّ الدولة في خططها نحو معالجة مشكلة الفقر لابد أن تضع بجانب الأنظمة التي توفر العدالة في التوزيع والحفاظ على المال العام، تحتاج إلى تشريعات وأنظمة تعين الفقير على الحياة وأن لا تبخل في هذا الجانب.

فتعينه وتقدم له المعونة والمساعدة بمختلف نواحيها المادية والعينية، الغذائية والسكنية والتعليمية والصحية وتجعل ذلك متوافرا في يد الجميع.

وتوفر العمل الكريم والمتناسب مع المؤهلات التعليمية للمواطنين.

واجبات الفقير نفسه:

في بعض الأحيان الفرد نفسه هو الذي يسبب إفقار نفسه، عندما لا يحسن إدارة ماله، ولا يشعر بالمسؤولية تجاه أسرته ومن يعول، وفي هذا الصدد نجد أن الإسلام لم يجز معاملة السفيه ووضع لها حلاً من خلال دعوة المجتمع للتعامل مع من هو ذا رشد ومن له الولاية على ذلك الفقير.

ومن جهة أخرى نجد دعوة واجبة على الزوج والرجل والفرد بشكل عام للبحث عن العمل والكد على العيال، فإنّ (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله)، فلابد أن ننهض بمسؤولياتنا على أتم وجه لنُعذر بعد ذلك إن حصل قصور.

واجبات الفرد والمجتمع:

فرض الله سبحانه وتعالى مجموعة من الواجبات هي على الفرد والمجتمع تتلخص في الإنفاق: ويمكن لنا أن نذكر وجوه الإنفاق التي حددها الشارع كمساهمة من الفرد في القضاء على الفقر أو الحد من معاناة الفقير:

إنفاق واجب:

وهو للزكاة والخمس.

إنفاق مستحب:

وهي الصدقة والقرض الحسن وغير ذلك.

والعجيب في ذلك أن الله سبحانه لما فرض الإنفاق لم يجعل آثاره على الفقير وفقط وإنما جعل الآثار على المنفق نفسه:

(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

وجوب إعانة المضطر:

– عنه (صلى الله عليه وآله): اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء.

عفاف الفقير

الإمام علي (عليه السلام): إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك.

– الإمام علي (عليه السلام): لا كنز أغنى من القناعة (4). – عنه (عليه السلام): الغني من استغنى بالقناعة (5). – عنه (عليه السلام): الغني من آثر القناعة

(إن الانسان ليطغى * أن رءاه استغنى) * (1). * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لايشعرون)

– أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام): وضعت الغنى في القناعة وهم يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه (3).

– رسول الله (صلى الله عليه وآله) – لأبي ذر -: يا أباذر ! أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قلت: نعم يارسول الله، قال: فترى قلة المال هو الفقر ؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب. ثم سألني عن رجل من قريش، قال: هل تعرف فلانا ؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: فكيف تراه أو تراه ؟ قلت: إذا سأل اعطى، وإذا حضر أدخل. قال: ثم سألني عن رجل من أهل الصفة، فقال: هل تعرف فلانا ؟ قلت: لا والله، ما أعرفه يا رسول الله، فما زال يجليه وينعته حتى عرفته، فقلت: قد عرفته يا رسول الله، قال: فكيف تراه أو تراه ؟ قلت: هو رجل مسكين من أهل الصفة، فقال: هو خير من طلاع (11) الأرض من الآخر (12).

.- عيسى (عليه السلام): بحق أقول لكم: إن أكناف السماء لخالية من الأغنياء، ولدخول جمل في سم الخياط أيسر من دخول غني الجنة.

– الإمام الصادق (عليه السلام) – لما ذكر رجل عنده الأغنياء ووقع فيهم -: اسكت ! فإن الغني إذا كان وصولا لرحمه بارا بإخوانه، أضعف الله له الأجر ضعفين، لأن الله يقول: * (وما أموالكم ولا أولادكم…) * الآية (2).

– الإمام الرضا (عليه السلام): من لقي فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني، لقي الله عزوجل يوم القيامة وهو عليه غضبان (5). – رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا ومن استخف بفقير مسلم فقد استخف بحق الله، والله يستخف به يوم القيامة، إلا أن يتوب. وقال (صلى الله عليه وآله): من أكرم فقيرا مسلما لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض.

– الإمام الباقر (عليه السلام): البر وصدقة السر ينفيان الفقر (10). – الإمام علي (عليه السلام): داووا الفقر بالصدقة والبذل.

(للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسألون الناس إلحافا).

– عنه (صلى الله عليه وآله): اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء (13

(261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ