قال المولى سبحانه وتعالى واصفا وناعتا للنبي الأعظم: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم.
ولا شك أن المولى سبحانه عندما يذكر هذه الصفة يريد منا أن نتوقف عندها وأن نعطيها مساحة من التأمل والتفكر المتريث والمتفحص لكل جنباتها.
الأخلاق وما تمثل؟! وتجربة الرسالة متمثلة في النبي محمد (ص) عندما مارست الأخلاق في كل جنباتها ما الذي حصل؟!
يقول المولى سبحانه في موضع آخر: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران.
الاخلاق وسلامة المنطق..
بالمقابلة بين هذه الآية وسابقتها تعرف أن الأخلاق التي كانت تتحرك مع الرسالة في كل جنبات ومراحل الدعوة قد كانت عنصرا وعاملا مؤثرا في انتشار الدعوة المحمدية، إلى درجة أن أخلاق محمد (ص) كفت في اسلمت دول وقبائل عديدة وما زالت تكفي لذلك؟!
فلا يكفي أن يمتلك الانسان سلامة المنطق؟ أو حقانية الموقف؟! بل لابد من أن يمتلك بجانب ذَين أخلاقا عالية تمكنه من النفاذ عبر بوابة القلب إلى مقر العقل. فحسن الخلق يعد الجاذبية الأكثر فعالية.
والتعبير القرآني يشهد بوضوح لهذا المعنى، حينما قال المولى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا… لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
الاخلاق جاذب وسوؤها مبعد..
علاقة التجاذب (بين حسن الأخلاق وانجذاب الناس)، (وبين سوء الخلق وابتعاد الناس). هي التي ينبه عليها القرآن الكريم وأهل بيت العصمة، حيث ورد عن الأمير (ع): (سوء الخلق يوحش النفس ويرفع الأنس).
فعندما تتجمّع كل الخصال والأخلاق البشعة كـ الغضب والكذب والسباب والتكبر وغيرها، فإن النفس تصبح بشعة بالتبع وبشكل “أتوماتيكي”، ولا تعتقد أن النفس لا تمتلئ استبشاعا وقباحة تخفى على الناس، بل ستجد نفسك دوما في حالة وحشة وظلمة، وسترتفع حالة الأنس بوجودك عندما تلتقي مع الآخرين، لتجد الآخر يفر منك كلما اقتربت منه، وتجد القريب الذي لا يمتلك الفرار يستوحش بوجودك ويسأل الله أن يخلصه من الثقل الجاثم على قلبه. ويقول الإمام علي بهذا الخصوص: (سوء الخلق يوحش القريب وينفّر البعيد).
فسوء الخلق أثرها على النفس أولا، من خلال الكآبة والحزن والشعور بالوحدة، وأثرها مع الآخرين من خلال نفور الناس منك وافتقاد وجودك لأي أنس ومحبة بل يكون وجودا موحشا مُسئما.
بخلاف ما لو اجتمعت مثل صفة الحلم والصدق وسلامة اللسان والتواضع وأمثالها، فإن هذه الصفات لها سحر وتأثيرات عجيبة إذا ما مورست في إطارها الصحيح والسليم.
فعن أمير المؤمنين(ع) : (ثلاث يوجبن المحبة: حسن الخلق، وحسن الرفق، والتواضع)، وعنه أيضا:(من حسن خلقه كثر محبوه وأنست النفوس به).
فالباب الذي يمكن أن تدخل منه إلى كيان الإنسان هو باب القلب، وباب القلب موصد لا يفتحه إلا حسن الخلق. فالأخلاق التي دعا إليها الإسلام تمثل مفاتيح القلوب والمحبة.
الدعوة للأخلاق..
الدعوة للأخلاق في الإسلام احتلت مساحة كبيرة جدا، ونجد تكاثرا في التعبير بمثل هذا التعبير (عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه) (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق) على ألسنة بيت العصمة، وهو يعبر عن عظم منزلة الاخلاق، كم وأن دعوات العلماء والشرائح المثقفة وكل المهتمين بتنمية المجتمع تتقاطع مع هذا الحث الإسلامي والصريح، ليبرز همٌّ كبير يقض مضاجع العلاقات الاجتماعية، التي انحرفت عن مسارها الصحيح في كل أبعادها ودوائرها سواء الصغيرة والتي تبدأ بالأسرة أو الكبيرة التي تنتهي بالمجمتع. ويعود السبب في الانحراف عن الجادة الصحيحة إلى تكاثر الصور المستبشعة والموحشة التي تمتلئ بكل ما هو قبيح وسقيم، وقلة الصور الجميلة والحسنة.
فنحن إذن.. بحاجة إلى تصحيح المسار لنتسامى ويتسامى مجتمعنا، من خلال إرجاع العز لأخلاقنا، ومحاولة تكثير الصور والنفوس الحسنة التي تفوح زكاة وعطرا فواحا صدقا وتواضعا وحلما و… ، فبها يسعد الانسان دنياً وأخرى. وقد ورد عن رسول الله (ص): (رجلان آمنا وهاجرا ودخلا الجنة جميعا فرفع أحدهما على صاحبه كما ترى الثريا، فقال بماذا فضلته علي يا رب ؟ قال: إنه كان أحسن منك خلقا).