خلق الله الانسان في جنسين ذكر وأنثى، ليمثل الطرف الآخر النصف المكمل، وفقا للطبيعة البشرية، قال الله تعالى: (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)) النبأ، والازواج جمع زوج وهو المتكون من إثنين يعد كل واحد مكمل ومتمم للآخر والتعبير القرآن في قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم، يشير إلى هذه الحيثية، وفي تعبير المودة والرحمة إشارة إلى حصول الاشباع العاطفي والنفسي وليس فقط الاشباع الجسدي.

هكذا هي الطبيعة البشرية، ولكنّ الله لم يترك هذه الطبيعة بعيدا عن تأطيرها وتقنينها في ضمن تعاليم شرعية، تضمن بقائها في الاطار الصحيح لتكون عنصرا مساهما وفاعلا في بناء الفرد والمجتمع، لا عامل هدم وفساد. ولذلك نجد تشريعات اسلامية الغرض منها وضع الانسان بجنسيه الذكر والانثى على طريق بناء علاقة تضمن حقوقهما، وتحفظ نسيج المجتمع، لتكون علاقة الزواج الناجحة من أكبر نعم الله، قال رسول الله (ص): ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرا له من زوجة صالحة.

إذن الزواج يمثل العلاقة الصحيحة المرسومة من قبل الشارع، ولكن ما هي الضوابط الشرعية التي تضبط العلاقة خارج هذه العلاقة.

الضوابط الشرعية بين الجنسين:

لم يترك الشارع المقدس الامر بين الجنسين مقتصرا على تقنين علاقة الزواج، بل هناك تشريعات تقنن العلاقة بين الجنسين مع فقدان علاقة الزواج، تتمثل في مجموعة من التكاليف والإجراءات تعد تحصينات لأي علاقة أو لقاء مع الطرف الآخر، وهذه التحصينات على النحو التالي:

1- تنظيم العلاقة مع الاقارب: من خلال تصنيفهم إلى محارم وغير محارم، ويقصد من المحرم هو الطرف الذي لا استطيع أن أكوّن معه علاقة الزواج أبدا، ومن شأن هذا التصنيف أن يمنع أي انحراف للغريزة بوسوسة هنا أو إغراء هناك، باعتبار وجود التحريم المشدد.

2- حرمة النظر الشهوي ووجوب الستر: إذ نجد التشريعات الاسلامية تضبط النظر للآخر، فتحرم النظر المحرك للغريزة، إذ عندئذ تبتعد بك هذه النظرة عن حالة التوازن النفسي والجسدي وعن مسار الحصانة المجتمعية، لتجعلك غارقا في عالم تفتقد فيه عناصر السمو الروحي، مما يعني تضاؤل فرص الفوز بالآخرة، وإذا تكاثرت هذه الظاهرة ضاعت الحصانة المجتمعية، ليسير المجتمع نحو الاثارة والعلاقات الغير الشرعية والعياذ بالله.

وبجانب حرمة النظر.. نجد تشرعيا بوجوب الستر، ليكون بذلك عنصرا معضدا وحصانة واقية للمجتمع من التحركات الشهوانية هنا أو هناك، كلّ ذلك في إشارة قوية للإنسان بأنّ الشهوة والأجساد أبدا لا تصنع النور والاشراق في هذه الدنيا، بل تسير به نحو التسافل والانحدار.

وإلى ذلك قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ.. 31) النور فمن أراد الزكاية والسمو فعليه بهذه التعاليم.

3- اتزان حركة الاجساد والابتعاد عن كل إثارة: يقول تعالى اتماما للآية السابقة: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)) النور، وكأن الضرب بالرجل اسلوب إلفات وتنبيه للطرف الآخر، لا سيّما إذا كان بالرجل خلخال ونحوه، وليس الغرض القرآني النهي عن هذا التصرف بخصوصة بقدر ما هو نهيٌ عن كلّ عناصر الإلفات والإثارة للآخر. ولذلك نُهي عن الخضوع بالقول من خلال ترقيق الصوت وتمييعه أو تلطيفه ببعض الكلمات الجميلة والمثيرة، يقول تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)) الاحزاب.

هكذا أراد الاسلام للانسان بما فضله الله عن غيره من المخلوقات، وهكذا أريد للمجتمع أن يُبنى وأن يرتقي، ولا يخفى عليكم ما نشهده في هذه الايام من تعدد أساليب التحرش والمعاكسات، وتفننها بأنواع وأشكال مختلفة، أوصلت شبابنا وشاباتنا إلى محرقة العلاقات المحرمة، التي تؤدي إلى حرق القيم والأخلاق والإيمان.

ولتعلم أخي وأختي الكريمة أن كلّ ذلك حرام محرم شرعا ما دام الغرض منه الوقوع فيما حرم الله من نظرة أو لمسة أو حتى حديث يحرك شهوة النفس والغريزة، فلنراقب أنفسنا فيما نفعل ولنعلم أنّ الله مطلّع علينا، ونُردّ عليه في يوم تشخص فيه الابصار، أستغفر الله لي ولكم والحمد لله ربّ العالمين.