والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أله الطيبين الطاهرين .

ونحن نلتقي مع هذه المناسبة الغراء ، نتوجه إلى المقام السامي ، وإلى الناحية المقدسة ، حضرة صاحب العصر والزمان بأعطر التهاني وأجملها ، بمناسبة مولد سبط الرسول (ص) ، وبمثل ذلك نتوجه إلى جميع العلماء والفقهاء ، وإلى سماحة ولي أمر المسلمين ، وإلى المؤمنين والمؤمنات ، وإليكم أيها الأخوة الكرام .

عندما نقف مع هذه الذكرى وهذه المناسبة ، فإننا نقف أمام شخصية كانت الإسلام في حركتها ، بل كانت الخط الإلهي ، والحجة البينة على الناس جميعا . وعندما نقف مع شخصية بهذا الحجم ، فلابد أن تكون وقفتنا بحجم تلك الشخصية ، فعلينا أنّ نقوم بدراسة الجوانب المختلفة لشخصية الإمام الحسن عليه السلام وبقية الأئمة سلام الله عليهم ، أن لا نركز على جانب ونهمل آخر ، أو نتفاعل مع جانب ونتعامل مع الجوانب الأخرى ببرود وخمول .

فعلينا – أيها الأخوة – أن ندرس شخصية الأئمة في كل جهاتها ، فشخصية الإمام سلام الله عليه عاشت حياتها للإسلام كله ، فغذت الناس بفكرها ، وأخلاقها ، وحركتها ، وغيرها من جوانب نتلمسها من خلال مطالعة حياة الأئمة سلام الله عليهم ، فلذلك أيّ شخص منصف ينظر لحياة الأئمة لا يمكن أن يفصلها عن الإسلام وعن الخط الإلهي وعن العصمة ، فلا يمكن أن يكون الإنسان عليا إلا أن يكون ممثلا لله سبحانه وحجته على خلقه ، فهكذا كانت شخصيتهم وحياتهم صلوات الله عليهم .

وعندما نقف مع شخصية الإمام الحسن سلام الله عليه ، فإنَّ أول من يتحدث عن هذه الشخصية هو الله سبحانه وتعالى فيقول في محكم كتابه : ( إنمّا يريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويطهِّرَكُمْ تطهيراً ) ، واتفقت المذاهب الإسلامية أنّ الإمام الحسن عليه السلام هو واحد من أهل البيت ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، ثم إذا بحثنا في المراد من الرجس سنجد أنّ إطلاق الآية يشمل إذهاب وإمتناع كل أنواع الرجس عن أهل البيت فيما يتصل بفكرهم وسلوكهم وأخلاقهم وغير ذلك ، فهم الطاهرون فكريا وأخلاقيا وعقائديا ، وهم يمثلون الخط الإلهي في الناس ، والمرجعية الصادقة لهم في كل إختلافاتهم ، وكذلك الإمام المجتبى فهو الطاهر المطهر في كل جوانب شخصيته ، وما يقوم به يمثل الحجة وإرادة المولى عز وجل ، فهو الطاهر فكريا وأخلاقيا وعقائديا وغير ذلك .

ثمّ ننتقل إلى جانب آخر من شخصية الإمام عليه السلام ، وهو الجانب الذي يحكي لنا ما قدمه الإمام من تضحيات ، فهو الشخصية التي قدمت كل ما تملك لخدمة الإسلام والمسلمين ، فإنّنا نقرأ من ضمن ما ينقله لنا الرواة والمؤرخين ، أن الإمام المجتبى كريم أهل البيت (عليه وعليهم السلام ) ، وإنّه من خلال سلوكه وتعامله كان يرشد الناس إلى كيفية التعامل مع المحتاجين والأناس المعتازين ، فهو يعطي المحتاج حاجته قبل أن يحرك ببنت شفه ، أو يقوم بخط جاجته على الأرض ،  وفي هذا يرشدنا إلى كيفية التعامل مع المؤمنين من إخواننا ، وكيف كان مطلعا على أمور المؤمنين ، وهو الذي خاض كل الحروب مع أبيه ، وتربى وترعرع في كنف العصمة ، وشهد كيف كان أبوه الأب للأمة من بعد الرسول ، وسمع كلماته ووعاها ، فسمع مقولة الإمام ( لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن بها جور إلا علي ّ خاصة ) فوعى هذه الحقيقة وأدركها ، فكانت هي المنطلق له في مسيرة حياته ، والحقيقة هي : أن على كل إنسان مؤمن أن يكون صغيرا عندما تتعلق المسألة بالصالح العام ، فانطلق سلام الله عليه في صلحه من هذه الحقيقة .

إذ أنّ الإمام ورث عن أبيه كل تعقيدات المجتمع ومشاكله فكانت هناك الفرق والتكتلات التي تحاول أن تنحي الإسلام الحقيقي جانبا ، فإلتفت (عليه السلام) في جيشه فلم يجد من يعتمد عليه إلا القليل ، فتحرك لحفظ هذه النواة الطيبة من أصحابه للإبقاء على خط التشيع ، فوجد أنّ الموقف يتطلب منه أن يتنحى مؤقتا ، فتنحى عليه السلام ولم يلتفت إلى ما يقوله الناس من بعده ولما يصفونه وينعتونه ، فهو انطلق من مثل ما انطلق به الإمام ( لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة ) هذه النقطة التي يجب أن ننطلق منها ، أن نكون صغارا عندما يتطلب الموقف والمصلحة العامة ذلك ، أيا كان منصبنا .

وما يؤكد هذا الحس عند الإمام وصيته في شأن دفنه ، حيث أوصى الإمام الحسين فقال ( أوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم وتقبل محسنهم وتكون لهم خلفا وولدا ، وأن تدفني مع رسول الله فإني أحق به وببيته ، فإن أبوا عليك فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز وجل منك ، والرحم الماسة من رسول الله أن لا تهريق في أمري محجمة من دم حتى نلقى رسول الله فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا .. ) فهكذا كان صلوات الله عليه لم يراع أموره الشخصيه أمام الأمور الإسلامية ، فهو لا يريد من دفنه أن يكون مدعاة للفرقة والقتال ، وكان يعي ذلك ، وهذا الموقف يصور لنا حجم الظلم الذي وقع على الإمام في حياته وبعد مماته ، وكم كان الإمام كبيرا في وعيه وفي فكره .

وننتقل إلى جانب ثالث من جوانب الإمام المشرقة في موعظتة الأخيرة التي أطلقها وهو ينازع الموت ، فهو ينقل لنا خلاصة فكره فيقول ( واعلم أنّ الدنيا في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب ، وفي الشبهات عتاب . فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة ، خذ منها ما يكفيك… ، وأعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا )  من خلال هذه الكلمات يرسم لنا الإمام النظرة المتزنة التي يجب أن يحملها كل إنسان ، وهي أن يكون لدينا بعدان وجانبان في هذه الحياة جانب دنيوي وجانب أخروي ، فنأخذ من الدنيا بقدر ما نحتاج ، ونعمل للآخرة بقدر ما نستطيع ، فأن نكون متوازنين أن ننظر للدنيا وأن ننظر للآخرة ، فلو حذفنا جانبا اختلت حياتنا ومعيشتنا قال تعالى : ( وابتغِ فيما آتاك اللهُ الدارَ الآخرةَ ولا تنسَ نصيبَكَ منَ الدُنيا وأَحسِنْ كَمَا أحسَنَ اللهُ إليكَ ولا تبغِ الفسادَ في الأرضِ إنَّ اللهَ لا يحبُّ المفسدينَ ) [القصص 77] .

من ذلك كله – أيها الأخوة الأحبة – نقول :

علينا أن نتحسس آلام ومشاكل الآخرين ، كما كان الإمام كذلك ، أن نعرف كيف نتعامل مع الفقراء والمحتاجين في كل المجالات ، والنقطة الأهم أن نكون صغارا عندما تتعلق المسألة بالصالح العام ، مهما كان منصبنا ، وفي أي مؤسسة كنا نعمل ، ومن المؤسف ، أن يتصادم العاملين تحت عناوين براقة ، وان يغتاب بعضنا بعضا بمبررات ومخارج واهية ، فبعض يغتابون بحجة الحب في الله ، وبعض يتصادمون والغاية والهدف واحد ، علينا أن ننحي مصالحنا جانبا وأن نتوجه بقلوب صادقة لله سبحانه.

وأخيرا نتناول بعض الأمور التي تتعلق بالقرية ، والأمر الأول – والذي يثير كثيرا من القلق هي مسألة قلة تفاعل أفراد القرية مع البرامج والفعاليات الثقافية ، فإنّه من المقلق جدا قلة الحضور في المآتم وصلوات الجماعة والإحتفالات ، وربما تتحمل المؤسسات جزء من المسؤولية ولكن جزء كبيرا يتحمله الأهالي ، وأتصور أنّ حلّ هذه المشكلة يحتاج منّا أن نضع أيدينا بعضها البعض ، وأن نشد أيدينا مع مؤسسات القرية للنهوض بالقرية في مختلف الجوانب ، وأهم هذه الجوانب ثلاثة : أولا الجانب الإجتماعي والمشكلات الأخلاقية فيما يتعلق بالإنحرافات وما إلى ذلك ، والجانب الثاني الجانب الثقافي وكيفية خلق الأجيال المثقفة والواعية ، والجانب الثالث والأهم هو خلق الأجيال التي تمتلك الوعي والإلتزام الديني .

وفي هذه المرحلة نؤكد على ضرورة الحضور والتفاعل مع كلّ الفعاليات والأنشطة في القرية ، ولابد لهذه المسألة أن تناقش وأن تثار في القرية .

والأمر الآخر في القرية والذي يبدو إيجابيا نشاط ونهوض دور المرأة في المجتمع ونأمل من جميع المؤسسات في القرية التعاون معهم وتقديم يد العون والمساعدة لهم بشتى الوسائل المتاحة .

وختاما .. أسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح ، والحمد لله رب العالمين وأفلح من يصلي على محمد وآل محمد .