عبر الباري سبحانه عن علاقة الزواج التي تجمع بين الرجل والمرأة في موارد مختلفة من القرآن الكريم،وجلّها تعبر عن قداسة هذا الرباط وأهميته من وجهة نظر الإسلام.
وإنّ من أجمل الآيات تعبيرا عن ذلك هي قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم.
ويكمن جمال هذه الآية المباركة أنّها – وفي تعبير بلاغي راقي – اختزلت جلّ ما يمثله الزواج من خطوة نحو التكامل الشخصي والبشري، ويمكن لنا أن نوضح ذلك من خلال النقاط التالية:
أولا: قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ) يعطي أن الزواج بما يمثل من تكامل بشري وشخصي، هو علامة ودلالة واضحة على خالقية الله سبحانه ومدى اتقانه وحسن نظمه تبارك وتعالى لمجمل الحياة البشرية.
ثانيا: قوله تعالى: (مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) بهذا التعبير نستفيد أنّ الشريك الآخر لا يبتعد عنك كثيرا فهو من نفسك، مما يعطي الإنسان توجيها لكيفية التعامل مع الشريك الآخر تعاملا قائما على قُربيّة الآخر وتنزيله منزلة النفس والروح، ليعيش الزوجين على أساس القُربية (النفسية) حالة من الإنسجام التام.
ثالثا: بعد مرحلة الإنسجام ننتقل إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة السكن (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) إذ السكن يمثل الملاذ الآمن للإنسان الذي تتهيأ فيه سبل الراحة والطمأنينة، فمبدأ السكن هنا هو أن يبادل الشريك شريكه الأمن ويوفّر له الهدوء والإستقرار.
رابعا: ثم تأتي مرحلة المودة والرحمة، ومفهوم المودة هي أن تقدم الحب للآخر وتحسّسه بكل المشاعر الجميلة التي تكنّها له، وأن تكون رحيما قادرا على أن تعطيه العطف والرحمة في بعض الإنعطافات التي قد تمر بها علاقة الزواج.
هذه نقاط غاية في الأهمية، سيما مبدئا (المودة والرحمة) اللذان تندفع بهما علاقة الزواج وتستمر بروح فاعلة نشطه، وبدونهما تتعرقل وتتعثر وقد تتوقف أحيانا، فلابد أن نعيش الواقعية في علاقاتنا سيما العلاقة الزوجية فلا نتوقع أننا سنعيش فيها بعيدا عن الاشكالات والتعقيدات، بل سنجد أنفسنا أحيانا في عمق تعقيد صعب مستصعب، ولكن إذا عدنا إلى المودة والحب وجعلنا في أنفسنا رحمة وقلبا كبيرا قادرا على أن يغفر، كفى ذلك في تجاوز أي تعقيد حتى الصعب منه.
لذا لنؤسس علاقتنا بالشريك على هذه الأساسات القرآنية القائمة على القرب.. وتوفير الهدوء والسكون ثم الإنطلاق نحو المودة والحب والرحمة لنعيش السعادة الزوجية المنشودة.